الشذى العباق ودوحة الأشواق

يشمل المواضيع والمشاركات الاسلامية

المشرف: بانه

صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي القارئ الكريم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أدعوك عبر هذه الصفحات للترويح عن النفس وإزالة كدرها وزيادة إيمانها وذلك باستذكار بعض أخبار السيرة العطرة للنبي صلى الله عليه وسلم .. والتمتع بعبيرها الفواح ورقيق شذاها ...

وعلى الرغم ما بي من تقصير في الدين ... من تراخي في الطاعات ...وتهاون في المحظورات ...... إلا أن النفس لها في قرب الحبيب راحة .. وفي سيرته واحة ...

وظني في ربي حسن بأن يرزقني وكل الحاضرين شفاعته
لذا آثرت أن أشرككم أحبتي في هذا الفضل العظيم والخير العميم بالجلوس في حضرته وإنتقاء بعض ما ورد في الكتب من جميل صفاته وشمائله الشريفة ...

وليس لي في ذلك نية أو مرام سوى محبته العظمى و أداء واجب حقه على كل إنسان له دراية ..

وسأعرض هنا بإذن الله مقتطفات من بعض الكتب التي تخصصت في هذا الشأن مبتدءاًًً بكتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم .. للقاضي عياض اليحصبي

أما إذا أشكل عليك شي أيها القارئ الكريم ... فما عليك سوى أن تسألني عن مصدر المعلومة .. وستجدني إن شاء الله أذكر لك إسم الكتاب ودار النشر ورقم الطبعة ورقم الصفحة ..

أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع وأن ينفعنا بما إنطوت عليه قلوبنا من عظيم محبته صلى الله عليه وسلم ..


صورة



وعلى بركة الله نبدأ ... مع صافي المودة
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

قال القاضي عياض عندما تحدث عن (تعظيم العلي الأعلى لقدر هذا النبي قولاً و فعلاً )
لا خفاء على من مارس شيئاً من العلم ، أو خص بأدنى لمحة من فهم ، بتعظيم الله تعالى قدر نبينا عليه الصلاة و السلام ، و خصوصه إياه بفضائل و محاسن و مناقب لا تنضبط لزمام ، و تنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة و الأقلام .
فمنها ما صرح به الله تعالى في كتابه ، و نبه به على جليل نصابه ، و أثنى عليه من أخلاقه و أدابه ، و حض العباد على التزامه ، و تقلد إيجابه ، فكان جل جلاله هو الذي تفضل و أولى ، ثم طهر و زكى ، ثم مدح بذلك و أثنى ، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى ، فله الفضل بدءاً و عودا ً ، و الحمد أولى و أخرى .
ومنها ما أبرزه للعيان من خلقه على أتم وجوه الكمال و الجلال ، و تخصيصه بالمحاسن الجميلة و الأخلاق الحميدة ، و المذاهب الكريمة ، و الفضائل العديدة ، و تأييده بالمعجزات الباهرة ، و البراهين الواضحة ، و الكرامات البينة التي شاهدها من عاصره و رآها من أدركه ، و علمها علم يقين من جاء بعده ، حتى انتهى علم ذلك إلينا ، و فاضت أنواره علينا ، صلى الله عليه وسلم كثيراً .
عن قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتى بالبُراق ليلة أسري به ملجماً مسرجاً، فاستصعب عليه ، فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه . قال : فارْفَضَّ عرقاً .
إرفضَّ (البُراق) عرقا : أي جرى عرقه وسال .
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في ثناء الله تعالى عليه و إظهاره عظيم قدره لديه

أعلم أن في كتاب الله العزيز آيات كثيرة مفصحة بجميل ذكر المصطفى ، و عد محاسنه ، و تعظيم أمره ، و تنويه قدره ، اعتمدنا منها على ما ظهر معناه ، و بان فحواه
وفيما جاء من ذلك مجيء المدح و الثناء و تعداد المحاسن ، كقوله تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [ سورة التوبة: الآية 128 ] .
قال السمرقندي : و قرأ بعضهم : من أنفسكم ـ بفتح الفاء . و قراءة الجمهور بالضم .
قال القاضي عياض : أعلم الله تعالى المؤمنين ، أو العرب ، أو أهل مكة ، أو جميع الناس ، على اختلاف المفسرين : من المواجه بهذا الخطاب أنه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفونه ، و يتحققون مكانه ، و يعلمونه صدقه و أمانته ، فلا يتهمونه بالكذب و ترك النصيحة لهم ، لكونه منهم ، و أنه لم تكن في العرب قبيلة إلا و لها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولادة أو قرابة ، [ و هو عند ابن عباس و غيره معنى قوله تعالى : إلا المودة في القربى ]
و كونه من أشرفهم ، و أرفعهم ، و أفضلهم ، على قراءة الفتح ، و هذه نهاية المدح
ثم وصفه بعد بأوصاف حميدة ، و أثنى عليه بمحامد كثيرة ، من حرصه على هدايتهم و رشدهم و إسلامهم ، و شدة ما يعنتهم و يضر بهم في دنياهم و أخراهم ، و عزته و رأفته و رحمته بمؤمنهم .
قال بعضهم : أعطاه اسمين من أسمائه : رؤوف ، رحيم .
و مثله في الآية الأخرى : قوله تعالى : لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ سورة آل عمران ، الأية : 164]
و في الأية الأخرى : هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ سورة الجمعة : الأية 2 ] .
و قوله تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [ سورة البقرة : الآية] .
و روي عن علي بن أبي طالب ، عنه صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى : من أنفسكم قال : نسباً و صهراً و حسباً ، ليس فى آبائي من لدن آدم سفاح ، كلنا نكاح .
[ قال ابن الكلبي : كتبت للنبي صلى الله عليه و سلم خمسمائة أم ، فما وجدت فيهن سفاحاً و لا شيئاً مما كان عليه الجاهلية .
و عن ابن عباس رضي الله عنه ـ في قوله تعالى : وتقلبك في الساجدين ـ قال : من نبي إلى نبي ، حتى أخرجك نبياً ] .
و قال جعفر ابن محمد : علم الله عجز خلقه عن طاعته ، فعرفهم ذلك ، لكي يعلموا أنهم لا ينالون الصفو من خدمته ، فأقام بينهم و بينه مخلوقاً من جنسهم في الصورة ، و ألبسه من نعمته الرأفة و الرحمة ، و أخرجه إلى الخلق سفيراً صادقاً ، و جعل طاعته طاعته ، و موافقته ، فقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله .
و قال الله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ سورة الأنبياء : الآية 107 ] .
قال أبو بكر بن طاهر : زين الله تعالى محمداً صلى الله عليه و سلم بزينة الرحمة ، فكان كونه رحمة ، و جميع شمائله و صفاته رحمة على الخلق ، فمن أصابه شيء من رحمته فهو الناجي في الدارين من كل مكروه ، و الواصل فيهما إلى كل محبوب ، ألا ترى أن الله يقول : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، فكانت حياته رحمة ، و مماته رحمة
كما قال عليه السلام : حياتي خير لكم و موتي خير لكم و كما قال عليه الصلاة و السلام : إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً و سلفاً .
و قال السمر قندي : رحمة للعالمين : يعني للجن و الإنس .
و قيل : لجميع الخلق ، للمؤمن رحمة بالهداية ، و رحمة للمنافق بالأمان من القتل ، و رحمة للكافر بتأخير العذاب .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو رحمة للمؤمنين و للكافرين ، إذ عوفوا مما أصاب غيرهم من الأمم المكذبة .
و حكى أن النبى صلى الله عليه و سلم قال لجبريل عليه السلام : هل أصابك من هذه الرحمة شىء ؟ قال : نعم ، كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عز وجل علي بقوله : ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين [ سورة التكوير : الأية 20 ـ 21 ] .
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

و قد سماه الله تعالى في القرآن نوراً و سراجاً منيراً ، فقال تعالى : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [ سورة المائدة : الآية 15 ] .
و قال تعالى : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا [ سورة الأحزاب الأية 45 ـ 46 ] .
و من هذا قوله تعالى : ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك * فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا * فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب [ سورة الشرح] .
شرح : وسع . و المراد بالصدر هنا : القلب . قال ابن عباس : شرحه بالإسلام .
و قال سهل : بنور الرسالة .
و قال الحسن : ملأه حكماً و علماً .
و قيل : معناه ألم نطهر قلبك حتى لا يؤذيك الوسواس .
و وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك :
قيل : ما سلف من ذنبك ـ يعني قبل النبوة .
و قيل : أراد ثقل أيام الجاهلية .
و قيل : أراد ما أثقل ظهره من الرسالة حتى بلغها . حكاه الماوردي و السلمي .
و قيل : عصمناك ، و لولا ذلك لأثقلت الذنوب ظهرك ، حكاه السمرقندي .
ورفعنا لك ذكرك قال يحيى بن آدم : بالنبوة . و قيل : إذا ذكرت ذكرت معي قول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . و قيل : في الأذان .
قال القاضي أبو الفضل : هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه ، و شريف منزلته عنده ، و كرامته عليه ، بأن شرح قلبه للإيمان و الهداية ، و وسعه لوعى العلم ، و حمل الحكمة
و رفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه ، و بغضه لسيرها ، و ما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله
و حط عنه عهدة أعباء الرسالة و النبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم ، و تنويهه بعظيم مكانه ، و جليل رتبته ، و رفعه و ذكره ، و قرانه مع اسمه اسمه .
قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب و لا متشهد و لا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله .
و روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام ، فقال : إن ربي و ربك يقول : تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله و رسوله أعلم . قال : إذا ذكرت ذكرت معي .
قال ابن عطاء : جعلت تمام الإيمان بذكري معك .
و قال أيضاً : جعلتك ذكراً من ذكرى ، فمن ذكرك ذكرني .
و قال جعفر بن محمد الصادق : لا يذكرك أحد بالرسالة إلا ذكرني بالربوبية .
و أشار بعضهم في ذلك إلى الشفاعة .
و من ذكره معه تعالى أن قرن طاعته بطاعته و اسمه باسمه ، فقال تعالى : أطيعوا الله والرسول . و آمنوا بالله ورسوله ، فجمع بينهما بواو العطف المشرِّكة .
و لا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه عليه السلام .

عن حذيفة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يقولن أحدكم ما شاء الله و شاء فلان ، و لكن ما شاء الله ثم شاء فلان .
قال الخطابي : أرشدهم صلى الله عليه و سلم إلى الأدب في تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه ، و اختارها بثم التي هي للنسق و التراخي ، بخلاف الواو التي هي للإشتراك .
و قد اختلف المفسرون و أصحاب المعاني في قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي ، هل [ يصلون ] راجعة على الله تعالى و الملائكة أم لا ؟ .
فأجازه بعضهم ، و منعه آخرون ، لعِلة التشريك ، و خصوا الضمير بالملائكة ، و قدروا االآية : إن الله يصلي ، و ملائكته يصلون .

و قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من فضيلتك عند الله أن جعل طاعتك طاعته ، فقال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ سورة النساء : الآية 80 ] .

و قد قال تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [سورة آل عمران الآية31 ـ 32 ] .

روي أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً كما اتخذت النصارى عيسى ، فأنزل الله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فقرن طاعته بطاعته رغماً لهم .
صورة العضو الرمزية
مرسال الشوق
مشاركات: 14746
اشترك في: الاثنين 2009.11.2 3:49 pm
مكان: عارفني منــــــــــــــك

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة مرسال الشوق »

بارك الله فيك اخي الغالي
طلال الحكيم

دوما ينزف قلمك بكل جميل
ف ميزان حسناتك يارب
صورة العضو الرمزية
بانه
مشاركات: 11781
اشترك في: الأحد 2012.10.14 7:37 pm
مكان: ارض الله الواسعة

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة بانه »

صورة
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

الغالين
مرسال الشوق & بانه
جزاكم الله خير وجمعة مباركة علينا وعليكم
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في وصفه تعالى له بالشهادة و ما يتعلق بها من الثناء و الكرامة

قال الله تعالى : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( سورة الأحزاب: الآية 45 ـ 46 ) .
جمع الله تعالى في هذه الآية ضروباً من رتب الأثرة ، و جملة أوصاف من المدحة فجعله شاهداً على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة ، و هي من خصائصه صلى الله عليه و سلم ، و مبشراً لأهل طاعته ، و نذيراً لأهل معصيته ، و داعياً إلى توحيده و عبادته ، و سراجاً منيراً يهتدى به للحق .

عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
أجل ، و الله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، و حرزاً للأميين ، أنت عبدي و رسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق ، و لا يدفع بالسيئة السيئة ، و لكن يعفو و يغفر ، و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لاإله إلا الله ، و يفتح به أعينا عمياً، و آذاناً صماً ، و قلوباً غلفاً.
و ذكر مثله عن عبد الله بن سلام و كعب الأحبار ، و في بعض طرقه ، عن ابن إسحاق :
و لا صخب في الأسواق ، و لا متزين بالفحش ، و لا قوال للخنا ، أسدده لكل جميل ، و أهب له كل خلق كريم ، و أجعل السكينة لباسه ، و البر شعاره ، و التقوى ضميره ، و الحكمة معقوله ، و الصدق و الوفاء طبيعته ، و العفو و المعروف خلقه ، و العدل سيرته ، و الحق شريعته ، و الهدى إمامه ، و الإسلا م ملته ، و أحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، و أعلم به بعد الجهالة ، و أرفع به بعد الخمالة ، و أسمي به بعد النكرة ، و أكثر به بعد القلة ، و أغني به بعد العلة ، و أجمع به بعد الفرقة ، و أولف به بين قلوب مختلفة ، و أهواء متشتتة ، و أمم متفرقة ، و أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس .
و في حديث آخر : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفته في التوراة : عبدي أحمد المختار ، مولده بمكة ، و مهاجره بالمدينة ، أو قال (طيبة ) , أمته الحمادون لله على كل حال .
و قال تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون [سورة الأعراف الآية 157ـ158 ] .
و قد قال تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين [ سورة آل عمران: الآية 159 ] .
قال السمرقندي : ذكّرهم الله منّته أنه جعل رسوله رحيماً بالمؤمنين ، رؤوفاً لين الجانب ، و لو كان فظاً خشناً في القول لتفرقوا من حوله ، و لكن جعله الله تعالى سمحاً ، سهلاً طلقاً براً لطيفاً .
و قال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ سورة البقرة : الآية 143 ] .
قال أبو الحسن القابسي : أبان الله تعالى فضل نبينا صلى الله عليه و سلم ، و فضل أمته بهذه الآية ، و في قوله في الآية الأخرى : وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس [ سورة الحج : الآية 78 ] .
و كذلك قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [ سورة النساء الآية 41 ] .
قوله تعالى : وسطاً : أي عدلاً خياراً .
و معنى هذه الآية : و كما هديناكم فكذلك خصصناكم و فضلناكم بأن جعلناكم أمة خياراً عدولاً ، لتشهدوا للأنبياء عليهم السلام على أممهم ، و يشهد لكم الرسول بالصدق .
و قيل : إن الله جل جلاله إذا سأل الأنبياء : هل بلغتم . فيقولون : نعم . فتقول أممهم : ما جاءنا من بشير و لا نذير ، فتشهد أمة محمد صلى الله عليه و سلم للأ نبياء ، و يزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم .
و قيل : معنى الآية : إنكم حجة على كل من خالفكم ، و الرسول حجة عليكم . حكاه السمرقندي .
و قال الله تعالى : وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم [ سورة يونس الآية 2 ] .
قال قتادة ، و الحسن ، و زيد بن أسلم : قدم صدق : هو محمد صلى الله عليه و سلم ، يشفع لهم .
و عن الحسن أيضاً : هي مصيبتهم بنبيهم .
و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : هي شفاعة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، هو شفيع صدق عند ربهم .
و قال سهل بن عبد الله التستري : هي سابقة رحمة أودعها الله في محمد صلى الله عليه و سلم .
و قال محمد بن علي الترمذي : هو إمام الصادقين و الصديقين ، الشفيع المطاع ، و السائل المجاب محمد صلى الله عليه وسلم ، حكاه عنه السلمي .
Control 9
مشاركات: 614
اشترك في: الأحد 2010.4.25 5:39 pm
مكان: 1

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة Control 9 »

طلال الحكيم
بوست روعة ربنا يتقبل منك صالح الاعمال
موفق باذن الله
صورة العضو الرمزية
Toma
مشاركات: 293
اشترك في: الاثنين 2012.10.29 5:05 pm
مكان: UAE

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة Toma »

أثقل الله موازينك بالحسنات وجعل لك هذا العمل حجة لك لا عليك ..... جزيت خيرا أخي طلال الحكيم
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

مشكور كنترول 9 ووجودك يزيد الهمة ويشحذ العزيمة
جزاك الله خير
ونسأل الله القبول
مع تحياتي
*
الأخت الكريمة Toma
(آمين يا رب العالمين)

سررت جدا بمرورك من هنا
وأرجو أن يطيب لك المقال و المقام

مع إحترامي
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

فيما ورد من خطابه إياه مورد الملاطفة و المبرة

من ذلك قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ سورة التوبة الآية 43 ].

قال أبو محمد مكي : قيل هذا إفتتاح كلام بمنزلة : أصلحك الله ، و أعزك الله .
و قال عون بن عبد الله : أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب .
و حكى السمرقندي عن بعضهم أن معناه : عافاك الله يا سليم القلب : لم أذنت لهم ؟ .
قال : و لو بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، لم أذنت لهم ؟ , لخيف عليه أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام
لكن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه ، ثم قال له : لم أذنت لهم بالتخلف حتى يتبين لك الصادق في عذره من الكاذب .
و في هذا من عظيم منزلته عند الله ما لا يخفى على ذي لب .
و من إكرامه إياه و بره به ما ينقطع دون معرفة غايته نياط القلب .
قال نفطويه : ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم معاتب بهذه الآية ، و حاشاه من ذلك ، بل كان مخيراً فلما أذن لهم أعلمه الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا لنفاقهم ، و أنه لا حرج عليه في الأذن لهم .
قال القاضي أبو الفضل : يجب على المسلم المجاهد نفسه ، الرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب بأدب القرآن في قوله و فعله ، و معاطاته و محاوراته ، فهو عنصر المعارف الحقيقية ، و روضة الآداب الدينة و الدنيوية
و ليتأمل هذه الملاطفة العجيبة في السؤال من رب الأرباب ، المنعم على الكل ، المستغني عن الجميع ، و يستثر ما فيها من الفوائد ، و كيف ابتدأ بالإكرام قبل العتب ، و أنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثم ذنب .
و قال تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا [ سورة الإسراء الآية 74 ] .
قال بعض المتكلمين : عاتب الله تعالى الأنبياء عليهم السلام بعد الزلات ، و عاتب نبياً عليه السلام قبل وقوعه ، ليكون بذلك أشد انتهاءً و محافظة لشرائط المحبة ، و هذه غاية العناية .
ثم انظر كيف بدأ بثباته و سلامته قبل ذكر ما عتبه عليه و خيف أن يركن إليه ، ففي أثناء عتبه براءته ، و في طي تخويفه تأمينه و كرامته .
و مثله قوله تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام الآية 33 ] .
قال علي رضي الله عنه : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك و لكن نكذب ما جئت به ، فأنزل الله تعالى : فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون .
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما كذبه قومه حزن ، فجاءه جبريل عليه السلام فقال : ما يحزنك ؟ قال : كذبني قومي ! فقال : إنهم يعلمون أنك صادق ، فأنزل الله تعالى الآية .
ففي هذه الآية منزع لطيف المأخذ ، من تسليته تعالى له عليه السلام ، و إلطافه به في القول ، بأن قرر عنده أنه صادق عندهم ، و أنهم غير مكذبين له ، معترفون بصدقه قولاً و إعتقاداً ، و قد كانوا يسمونه ـ قبل النبوة ـ الأمين
فدفع بهذا التقرير ارتماض * نفسه بِسِمَة الكذب ، ثم جعل الذم لهم بتسميتهم جاحدين ظالمين ، فقال تعالى : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [ سورة الأنعام الآية 33 ] .
فحاشاه من الوصم ، و طوقهم بالمعاندة بتكذيب الآيات حقيقة الظلم ، إذ الجحد إنما يكون ممن علم الشيء ثم أنكره ، كقوله تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ سورة النمل الآية 14 ] .

ثم عزّاه و آنسه بما ذكره عمن قبله ، و وعده النصر بقوله تعالى : ولقد كُذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين [ سورة الأنعام الآية 34 ] .
فمن قرأ وإن يكذبوك بالتخفيف ، فمعناه : لا يجدونك كاذباً . و قال الفراء ، و الكسائي : لا يقولون إنك كاذب .
و قيل : لا يحتجون على كذبك ، و لا يثبتونه .
و من قرأ بالتشديد فمعناه : لا ينسبوك إلى الكذب . و قيل : لا يعتقدون كذبك .
و مما ذكر من خصائصه و بر الله تعالى به أن الله تعالى خاطب جميع الأنبياء بأسمائهم ، فقال تعالى : يا آدم ، يا نوح ، يا موسى ، يا داود ، يا عيسى ، يا زكريا ، يا يحيى .
و لم يخاطب هو إلا : يأيها الرسول ، يأيها النبي ، يأ يها المزمل ، يأيها المدثر .

ارتماض : مصدر ارتمض
ارتمض الرجل من كذا : أي (أشتد عليه وأقلقه )
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في قسمه تعالى في عظيم قدره
قال الله تعالى : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ سورة الحجر الأية 72 ] .
اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه و سلم ، و أصله ضم العين ، من العمر ، و لكنها فتحت لكثرة الإستعمال . و معناه : و بقائك يا محمد و قيل : و عيشك . و قيل : و حياتك .
و هذه نهاية التعظيم ، و غاية البر و التشريف .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما خلق الله تعالى ، و ما ذرأ ، و ما برأ نفساً ـ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه و سلم ، و ما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره .
و قال أبو الجوزاء : ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه أكرم البرية عنده .
و قال تعالى : يس * والقرآن الحكيم .
اختلف المفسرون في معنى يس على أقوال ، فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : لي عند ربي عشرة أسماء ذكر منها : طه و يس ـ اسمان له .
و حكى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن جعفر الصادق ـ أنه أراد : يا سيد ، مخاطبة لنبيه صلى الله عليه و سلم.
و عن ابن عباس : يس ـ يا إنسان ، أراد محمداً صلى الله عليه و سلم .
و قال : هو قسم ، و هو من أسماء الله تعالى .
و قال الزجاج : قيل معناه : يا محمد . و قيل : يا رجل . و قيل : يا إنسان .
و عن ابن الحنفية : يس : يا محمد .
و عن كعب : يس : قسم أقسم الله تعالى به قبل أن يخلق السماء و الأرض بألفي عام : يا محمد إنك لمن المرسلين . ثم قال : و القرآن الحكيم إنك لمن المرسلين .
فإن قرر أنه بين أسمائه صلى الله عليه و سلم ، و ضح فيه . أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ، و يؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه ، و إن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته ، و الشهادة بهدايته :
أقسم الله تعالى باسمه و كتابه إنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، و على صراط مستقيم من إيمانه ، أي طريق لا اعوجاج فيه ، ولا عدول عن الحق .
قال النقاش : لم يقسم الله تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتاب إلا له ، و فيه من تعظيمه و تمجيده ـ عن تأويل من قال : أنه يا سيد ـ ما فيه ، و قد قال عليه السلام : أنا سيد ولد آدم ، و لا فخر .
و قال تعالى : لا أقسم بهذا البلد * وأنت حل بهذا البلد [ سورة البلد الآية 2 ] .
قيل : لا أقسم به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه ، حكاه مكي .
و قيل : [ لا ] زائدة ، أي أقسم به و أنت به يا محمد حلال . أو حل لك ما فعلت فيه على التفسيرين .
و المراد بالبلد عند هؤلاء مكة .
و قال الواسطي : أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حياً ، و ببركتك ميتاً ـ يعني المدينة .
و الأول أصح ، لأن السورة مكية ، و ما بعده يصححه : قوله تعالى :وأنت حل بهذا البلد [ سورة البلد الآية 2 ] .
و نحوه قول ابن عطاء في تفسير قوله تعالى : وهذا البلد الأمين قال : أمنها الله تعالى بمقامه فيها و كونه بها ، فإن كونه أمان حيث كان .
ثم قال : ووالد وما ولد و من قال : أراد آدم فهو عام ، و من قال : هو ابراهيم و ما ولد ـ إن شاء الله ـ إشارة إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، فتتضمن السورة القسم به صلى الله عليه و سلم في موضعين .
و قال تعالى : الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه [ سورة البقرة الآيه 1 ـ 2 ] .
قال ابن عباس : هذه الحروف أقسام أقسم الله تعالى بها . و عنه و عن غيره فيها غير ذلك.
و قال سهل ابن عبد الله التستري : الألف هو الله تعالى . و اللام جبريل و الميم محمد صلى الله عليه و سلم .
و حكى هذا القول السمرقندي ، و لم ينسبه إلى سهل ، و جعل معناه : الله أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن لا ريب فيه ، و على الوجه الأول يحتمل القسم أن هذا الكتاب حق لا ريب فيه ، ثم فيه من فضيلة قرآن اسمه باسمه نحو ما تقدم .
و قال ابن عطاء ـ في قوله تعالى ق والقرآن المجيد ـ أقسم بقوة قلب حبيبه محمد صلى الله عليه و سلم حيث حمل الخطاب و المشاهدة و لم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله .
و قيل : هو اسم للقرآن . و قيل : هو اسم لله تعالى . و قيل : جبل محيط بالأرض . و قيل غير هذا .
و قال جعفر بن محمد ـ في تفسير : والنجم إذا هوى : إنه محمد صلى الله عليه و سلم ، وقال : النجم قلب محمد صلى الله عليه و سلم : انشرح من الأنوار .
و قال : انقطع عن غير الله .
و قال ابن عطاء ـ في قوله تعالى : والفجر* وليال عشر ـ الفجر : محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه منه تفجر الإيمان .
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

في قسمه تعالى جده ، له ، ليحقق مكانته عنده
قال جل اسمه : والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى * وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث [سورة الضحى]
اختلف في سبب نزول هذه السورة ، فقيل : كان ترك النبي صلى الله عليه و سلم قيام الليل لعذر نزل به ، فتكلمت امرأة في ذلك بكلام .
و قيل : بل تكلم به المشركون عند فترة الوحي ، فنزلت السورة .
قال القاضي الإمام أبو الفضل : تضمنت هذه السورة من كرامة الله تعلى له ، و تنويهه به و تعظيمه إياه ستة و جوه :
الاول : القسم له عما أخبره به من حاله بقوله تعالى والضحى * والليل إذا سجى . أي و رب الضحى ،و هذا من أعظم درجات المبرة .
الثاني : بيان مكانته عنده و حظوته لديه بقوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى ، أي ماتركك و ما أبغضك . و قيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك .
الثالث : قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ، قال ابن إسحاق : اي مالك في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا .
و قال سهل : أي ما ما ذخرت لك من الشفاعة و المقام المحمود خير لك مما أعطيتك في الدنيا .
الرابع : قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى
و هذه أيه جامعة لوجوه الكرامة ، و أنواع السعادة ، و شتات الإنعام في الدارين . و الزيادة .
قال ابن إسحاق : يرضيه بالفُلج (أي الفوز والظفر) في الدنيا ، و الثواب في الآخرة .
و قيل : يعطيه الحوض و الشفاعة.
و روي عن بعض آل النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليس آية في القرآن أرجى منها ، و لا يرضى رسول صلى الله عليه و سلم أن يدخل أحد من أمته النار .
الخامس : ما عدده تعالى عليه من نعمه ، و قرره من آلائه قبله في بقية السورة ، من هدايته إلى ما هداه له ، أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير ، ولا مال له ، فأغناه بما آتاه ، أو بما جعله في قلبه من القناعة و الغنى ، و يتيماً فحدب عليه عمه و آواه إليه .
و قيل : آواه إلى الله . و قيل : يتيماً : لا مثال لك ، فآواك إليه .
و قيل : المعنى : ألم يجدك فهدى بك ضالاً ، و أغنى بك عائلاً ، و آوى بك يتيماً ـ ذكره بهذه المنن ، و أنه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره و عيلته و يتمه و قبل معرفته به ، و لا و دعه ولا قلاه ، فكيف بعد اختصاصه و اصطفائه !

السادس : أمره بإظهار نعمته عليه و شكر ما شرفه بنشره و اشادة ذكره بقوله تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث ، فإن من شكر النعمة الحديث بها ، و هذا خاص له ، عام لأمته .
و قال تعالى : والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى [ سورة النجم الآيات 1 : 18 ] .
اختلف المفسرون في قوله تعالى : والنجم بأقاويل معروفة ، منها النجم على ظاهره ، و منها القرآن .
و عن جعفر بن محمد أنه محمد عليه السلام ، و قال : هو قلب محمد .
و قد قيل في قوله تعالى : والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب ـ إن النجم هنا أيضاً محمد صلى الله عليه و سلم ، حكاه السلمي .
تضمنت هذه الأيات من فضله و شرفه العد ما يقف دونه العد ، و أقسم جل اسمه على هداية المصطفى ، و تنزيهه عن الهوى ، و صدقه فيما تلا ، و أنه وحي يوحى أوصله إليه ـ عن الله ـ جبريل ، و هو الشديد القوى .
ثم أخبر تعالى عن فضيلته بقصة الإسراء ، و انتهائه إلى سدرة المنتهى ، و تصديق بصره فيما رأى ، و أنه رأى من آيات ربه الكبرى . و قد نبه على مثل هذا في أول سورة الإسراء .
و لما كان ما كاشفه به عليه السلام من ذلك الجبروت ، و شاهده من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ، ولاتستقل بحمل سماع أذناه العقول ـ رمز عنه تعالى بالإيماءة و الكناية الدالة على التعظيم ، فقال تعالى : فأوحى إلى عبده ما أوحى [ سورة النجم الآية 10 ] .
و هذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد و البلاغة بالوحي و الإشارة ، و هو عندهم أبلغ أبواب الإيجاز .
و قال تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ـ انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى ، و تاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى .
قال القاضي أبو الفضل : اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته عليه السلام ، و عصمتها من الآفات في هذا المسرى ، فزكى فؤاده و لسانه و جوارحه :
فزكى قلبه بقوله : ما كذب الفؤاد ما رأى .
و لسانه بقوله : وما ينطق عن الهوى .
و بصره بقوله : ما زاغ البصر وما طغى [ سورة النجم الآية 17 ] .
و قال تعالى : فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس * والليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس * إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم [ سورة التكوير الأيات : 15 ، 25 ] .
لا أقسم : أي أقسم . إنه لقول رسول كريم ، أي كريم عند مرسله . ذي قوة على تبليغ ما حمله من الوحي ، مكين : أي متمكن المنزلة من ربه ، رفيع المحل عنده ، مطاع ثم : أي في السماء . أمين على الوحي .
قال علي بن عيسى و غيره : الرسول الكريم هنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فجميع الأوصاف بعد على هذا له .
و قال غيره : هو جبريل ، فترجع الأوصاف إليه .
و لقد رآه ـ يعني محمداً . قيل : رأى ربه . و قيل : رأى جبريل في صورته .
وما هو على الغيب بضنين ، أي : بمتهم . و من قرأها بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل با لدعاء به ، و التذكير بحكمه و بعلمه ، و هذه لمحمد عليه السلام باتفاق .
و قال تعالى : ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * سنسمه على الخرطوم [ سورة القلم الآيات : 1 ، 16 ] .
أقسم الله تعالى بما أقسم به من عظيم قسمه على تنزيه المصطفى بما غمصته ، الكفرة به ، و تكذيبهم له ، و أنسه ، و بسط أمله بقوله ـ محسناً خطابه : ما أنت بنعمة ربك بمجنون . و هذه نهاية المبرة في المخاطبة ، و أعلى درجات الآداب في المحاورة ، ثم أعلمه بماله عنده من نعيم دائم ، و ثواب غير منقطع ، لا يأخذه عد ، و لا يمتن به عليه ، فقال تعالى وإن لك لأجرا غير ممنون .
ثم أثنى عليه بما منحه من هباته ، و هداه إليه ، و أكد ذلك تتميماً للتمجيد ، بحرفي التأكيد ، فقال تعال : وإنك لعلى خلق عظيم . قيل : القرآن و قيل : الإسلام . و قيل : الطبع الكريم . و قيل : ليس لك همة إلا الله .
قال الواسطي : أثنى عليه بحسن قبوله لما أسداه إليه من نعمه ، و فضله بذ لك على غيره ، لأنه جبله على ذلك الخلق ، فسبحان اللطيف الكريم ، المحسن الجواد ، الحميد الذي يسر للخير و هدى إليه ، ثم أثنى على فاعله ، و جازاه عليه سبحانه ، ما أغمر نواله ، و أوسع إفضاله ، ثم سلاه عن قولهم بعد هذا بما و عده به من عقباهم ، و توعدهم بقوله : فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون * إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين [ سورة القلم الأيات : 5،7 ] .

ثم عطف بعد مدحه على ذم عدوه ، و ذكره سوء خلقه ،و عد معايبه ، متولياً ذلك بفضله ، و منتصراً لنبيه ، فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله :
فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون * ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم * عتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مال وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين
ثم ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه و ختامه بواره بقوله : سنسمه على الخرطوم . فكانت نُصرة الله له أتم من نصرته لنفسه ، و رده تعالى على عدوه أبلغ من رده ،وأثبت من ديوان مجده .
صورة العضو الرمزية
محسية
مشاركات: 10735
اشترك في: الأربعاء 2010.3.10 7:10 pm
مكان: بين الفكرة ...وممكن واقع

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة محسية »

المتالق صاحب الكتابات الساحرة
طلال الحكيم
قمة فى الابداع والرووووعة
جزاك الله كل حير
وجعله فى ميزان حسناتك
الدغري
مشاركات: 3592
اشترك في: الثلاثاء 2010.4.6 9:14 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة الدغري »

لك التحية الأخ العزيز

على ذلك الكلام الطيب

صورة العضو الرمزية
أبو صديق
مشاركات: 4406
اشترك في: السبت 2009.12.5 8:10 pm
مكان: ثم أهدتني المنافي !!!

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة أبو صديق »

وفي دوامة هذه الحياة ومشاغل الفانية التي لا تنتهي
كم نحتاج لتلك النفحات الطاهرة أخي الحبيب طلال الحكيم
زِدنا أثابك الله وأنار دربك وجعل هذه القطوف في موازين حسناتك
صورة العضو الرمزية
mihrab
مشاركات: 565
اشترك في: الثلاثاء 2009.10.20 11:27 am
مكان: الاحلام

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة mihrab »

كما عهدناك اخي كلام جميل مع تسلسل لاجمل الكلام وهو كلام الله
لم اكمل مااوفيت لنا بكتابته ولكن في السطور القليلة التي مررت بهاتزودت علما من باب اسلامي
وزدت شئ جديد على خاطري والفضل يعود لله ثم اليك ونتمنى ان يجعلهو الله في ميزان حسناتك
ويسهل لنا على تكملة قرأتة والاستفادة من هذه السطور
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

محسية كتب:
المتالق صاحب الكتابات الساحرة
طلال الحكيم
قمة فى الابداع والرووووعة
جزاك الله كل حير
وجعله فى ميزان حسناتك
مثلما تنجذب الفراشات لـ يانع الزهر
تجنذب الأرواح الطيبة لكل ما يزيد من صفائها ونقائها
وهكذا هي أرواحكم يا محسية
نسأل الله القبول ونسألكم الرفقة
فما زلنا في أول الطريق
الدغري كتب:لك التحية الأخ العزيز

على ذلك الكلام الطيب
يا هلا بيك أخي الغالي الدغري
وأسعدني وجودك الطيب يا طيب
وأتمنى أن نراك هنا على الدوام
مع جزيل الشكر
صورة العضو الرمزية
طلال الحكيم
مشاركات: 4056
اشترك في: السبت 2010.5.8 11:08 am
مكان: السعودية

رد: الشذى العباق ودوحة الأشواق

مشاركة بواسطة طلال الحكيم »

أبو صديق كتب:
وفي دوامة هذه الحياة ومشاغل الفانية التي لا تنتهي
كم نحتاج لتلك النفحات الطاهرة أخي الحبيب طلال الحكيم
زِدنا أثابك الله وأنار دربك وجعل هذه القطوف في موازين حسناتك
أخي الحبيب أبو صديق ..
اللهم آمين وجزاك الله خيرا على دعواتك المباركة
أتمنى أن تبقوا معنا ففي وجودكم الأُنس والراحة
وما أسعدني بصحبتكم ... فالرفيق قبل الطريق ..
يا أغلى أبو صديق



mihrab كتب:
كما عهدناك اخي كلام جميل مع تسلسل لاجمل الكلام وهو كلام الله
لم اكمل مااوفيت لنا بكتابته ولكن في السطور القليلة التي مررت بهاتزودت علما من باب اسلامي
وزدت شئ جديد على خاطري والفضل يعود لله ثم اليك ونتمنى ان يجعلهو الله في ميزان حسناتك
ويسهل لنا على تكملة قرأتة والاستفادة من هذه السطور
تشرفت بحضورك يا محراب
وسعدتُ جدا بأن وجدتي هنا فائدة
فمن أجل أن تعم الفائدة كتبنا هذه الصفحات
آملين منكم الدعاء وراجين من الله حُسن الثواب
فكوني دوما هنا
أضف رد جديد

العودة إلى ”قطاف إسلامية“