ماأغرب تلك اللحظات ....شعر بمزيج من المشاعر المتضاربة....فرحة وقلق وخوف...وتطلع.....
بقي له يومين ليغادر موطنه...بيته الحبيب....الارض التي عاش بها
التي ترعرع بين ذرات ترابها...وكبر تحت نخيلها وارتوى من جداولها وملأ معدته الصغيرة من طيورها التى طاردها واصطادها وصاحبها ثم ذبحها وشواها بوليمة مع اصحابه
قالت له امه بصوت مختنق ودموع متلألأة....ان يذهب ويودع عمه المريض و....لم تستطع ان تكمل جملتهافاعطته ظهرهاودخلت لاحدى الغرف
جلس صامتا ..مرتعبا من فكرة ان لايراهامرة اخرى فاغرورقت عيناه بالدموع.....حتى سمع صوت ابيه ينادي عليه ..اجابه مسرعا...
اجلسه والده بجانبه واضعا يده خلف كتفيه....اوصاه ان يتقي الله وان لايضيع صلواته مهما كان....وان يهتم بعمله ويخلص ولايكسب قرشا حراما
وان يصل ارحامه ولاينقطع ...وان يستشير اخواله هناك ولايعصيهم و..سرح وهو يحس بنفسه وحيدا في قارب مبحر في فضاء لايفقه عنه شئ
خلد لفراشه مبكرا على امل الهروب من التفكير الذي عصر خلايا مخه
تقلب في فراشه ...جلس يوازن فكره الاغتراب ومدى صحتها....
لم يصل لموازنه تريح باله....فنام مستسلما لقدره...
فتح عينيه على اولى خيوط الفجر.....لحق بالصلاة ليرجع ويجد العيون المحبه تتطلع له بحزن....اختار لنفسه مكانا
ليتناول كوب من الشاي.....وتفرعت الجلسة لعدة جلسات جانبية والجميع يحس بشئ يعصر على قلوبهم...ذكرت الام اخته بتجهيز باقي الاغراض....كلماحاول الهروب من واقع الغد ارجعته التفاصيل المره ....بخطى متثاقلة تحرك لغرفته ليجمع اغراضه...كأنما يساق للموت...كأنه يجهز اكفانه بذات يديه....
مر الوقت ثقيلا ...مرا...مشحونا بغصات في الحلق...بين الفينة والاخرى تأتي اخته متسآئلة عن غرض يحتاجه او لتسترق اليه النظرات الاخيرة ...لم يحس بثقل اخيه الاصغر حينما تعلق برقبته....ولم ينهره كالعادة....نظر الصغير بتعجب ....واستغل فرصة اللاممانعة والاستسلام فطلب الهيد فون الذي طالما أعجبه ..وبعيون سارحة ويد مرتجفة....مده اليه ...حمله الصغير وركض خارجا غير مصدق!! وخشية ان يغير رأيه ...وهو غارق في افكاره وبين اغراضه ...وهو يستنشق الانفاس الاخيرة من غرفته .....نادته اخته ليتناول الافطار....
على مائدة الافطار لم تكن هناك احاديث تذكر....كانت الغصة تغلق الافواه ولاتسمع سوى صوت البلع القسري للقيمات..التى لم يحس بطعمها....تمتد اليد تلقائيا بلاتخطيط مسبق....(ومحل ماترسي تمسي)...انتهى الافطار كأنه واجب الزامي....لأنها كانت الوجبة الاخيرة...فسيتناول الغداء مع عمه المريض....وفي العشاء هناك مناسبة عند جارهم ولابد من الذهاب....
اسرع اخيه الصغير مقدما خدماته حينما قام.....ابتسم في وجهه وقبله ....وذهب يجر قدميه لغرفته....
لحقت به اخته حاملة كوب الشاي...ووقفت برهة تطالع وجهه....وفي عينيها الكثير...اسئله وشوق وحزن وامل وتشجيع ...وهروب
اكمل توضيب اغراضه وهو غارق في افكار تقطعها عليه امه حاملة غرضا تترجاه ان يدخله مع اغراضه...وهو يبتسم ويطمئنها ان لاحوجة...وتحت اصرارها يرضخ....
ناداه ابوه للذهاب سوية لصلاة الظهر....توضأ واسرع يلحق به...في الطريق سلم على جارهم وابنيه وسألوه عن الاستعداد ...ومزحوا معه : بختك...خلاص ماشي للمكيفات والرطوبة ....تاني تلقى الراحة ماحتفكر فينا ووو...
جاهد ليخرج ابتسامات جريحة....ويحس كأنما الذي ينتظر نتائج امتحانات ومغص يعصر قلبه
بعد تناول الغداء مع عمه وابناء عمومته ...ومع الحديث والنقاش تحسن مزاجه قليلا ....لكن كأنما كان هناك شخص جالس في داخلة ينخزه كلما حاول الضحك ...فتموت وهي ماوصلت اعتاب شفتيه ......
رجع بعد صلاة العصر ليجد البيت مكتظا...بالاهل والجيران مودعين ...من جاء يحمل صرة صغيرة وكبيرة...ومن يحمل سلاما واشواقا...ومن جاء يجرجر عتابا وشكوى....الكل يتحدث كأنما هو مبعوث فقط لغرضه ولايحسون بالنار الي هو فيها
من وسط جموع المودعين كانت امه تسترق له النظرات...وتتعمد ان تلامس يديه....لتستشعرهما...
اما ابوه القوي...فاحس لاول مرة بالانحناءة التي بانت على ظهره وبالاخاديد حول عينيه....
اما اخته فقد استسلمت تماما للبكاء حتى تورمت عيناها. ...والصغير ينقل بصره متحيرا بين كل الاوجه...
ذهب هو ووالده للعشاء والسلام الاخير لاهل الحي ...ووقف مطولا مع اصحابه امام البيت....يتسامر معهم بقلب غائب
ويدخل ليحضر لكل واحد ماطلبه منه ....وتفرق الشمل والاصحاب...والاحباب...وخلد الكل لفراشه وسكن الكون
وغط الجميع في النوم...ولاتسمع سوى اصوات بعيدة ...واصوات قطط ...ونباح من بعيد....واصوات هامسه غير مفهومة
وتمدد على فراشه....ليفكر....ولم يحس الا وقد داهمه النوم...
wait-me
لا نريد ان نقطع عليك حبل افكارك ولكن العمق الذى احسسته فى السرد جعلنى اتخيل اننى البطل وان كان فيلم ابيض واسود من قبل الالوان والشاشات المسطحة ....... واقعية التصوير والاحساس لاصحاب الادوار الثانية وحتى الكومبارس ابهرونى ....................... تحياتى
لا نريد ان نقطع عليك حبل افكارك ولكن العمق الذى احسسته فى السرد جعلنى اتخيل اننى البطل وان كان فيلم ابيض واسود من قبل الالوان والشاشات المسطحة ....... واقعية التصوير والاحساس لاصحاب الادوار الثانية وحتى الكومبارس ابهرونى ....................... تحياتى
استاذي العزيز........نورت اليوميات......وشد من أزر المفارق المودع لبيتو ولاهلو وحبانو
انت البطل.....وانا ....وكل من يقرأ ويدخل هذه الاحاسيس سيجدني اسرد قصته...واني عشت في داخله
وذقت كل همساته....
حان وقت الاستيقاظ....والسفر
أحس بيد تهزه برفق وحنان....تنسم عطر امه قبل ان يفتح عينيه....رجف قلبه....فقد عاد للواقع...
فتح عينيه ببطء....بطء الهروب من الواقع...وجدها منحنيه عليه بوجهها الحاني المشفق...تتفحص ملامحه...توقظه وقلبها يعصره الالم ...وبودها ان لاتوقظه...توقظه وهي تحس انها تلقي بفلذة كبدها للمجهول...ولطريق قد لاتلقى فيه مرة اخرى عينيه...امسك كفها وقبلها بتعلق....احرقته دمعات سالت منها على وجنتيه وجبهته....نهض واتكأ على طرف سريره..ممسكا بيدها...واجلسها بجانبه...اصبح يطمئنها بصوت مشوب بالنعاس والقلق...اطمئني ياحبيبة قلبي...هذه حال الدنيا...وظروف البلد...لكني لن اطيل الغياب..وستكون اخباري عندكم دوما...وسأتواصل حتما...واعود لاعوضكم...لن اضيع في زحمة الغربة...
ولن تبارحوا بالي لحيظات...مااطلبه منكي الدعاء...جلست تدعو له طويلا...والدموع تغرقه وتغرقها
قطع عليهما بحر الدموع ...ومقطوعات شجو الاشواق والتباريح والقلق...خطوات الاخت...مازالت عيناها متورمة...وصوتها اجش...ذكرتهم لئلا يبرد الشاي...قامت الام تخفي دموعها ...وقام منكسرا يحس بغثيان...ذهبت الام وفي اثرها الاخت التي وقفت برهة لتشتم مادار...وذهبت لتتركه يستحم ويصلي الفجر ويلحق بهم في آخر كوب شاي ...لتأتي السيارة التي ستحمله للمطار...........
ولاتروحوا بعيد.......
ود النصر كتب:[align=center]واقع ومعاش ويتكرر بشكل دوري
وتجربة قاسية بس مقسومة لينا
الله يعين و نرجع ويرجعوا
كل المهاجرين سالمين
وغانمــــــين
تسلمي علي الطرح الرائع.[/align][/size]
واقع سطر فينا ماسطره...وجئنا نجس تلك الاسطر...
آمين ...يرد غربتنا جميعنا بخير....وتصبح اسطرنا تلك ذكريات ...
شرفني واسعدني مجيئك للوداع......على آخر كوب من الشاي
أختي الغالية دريم ...
يبدو أن موسم الدموع قد بدأ مع يوميات المغترب هذا ...
كلنا في يوما ما كنا هذا الشخص ..
أحييك على جمال السرد وقوة التعبير ...والمعرفة التامة بالإشياء التي تلامس الوجدان ...
فكل مغترب ... وأسرة مغترب .... ستقرأ كلامك هذا بالقلب وليس العين .
طلال الحكيم كتب:أختي الغالية دريم ...
يبدو أن موسم الدموع قد بدأ مع يوميات المغترب هذا ...
كلنا في يوما ما كنا هذا الشخص ..
أحييك على جمال السرد وقوة التعبير ...والمعرفة التامة بالإشياء التي تلامس الوجدان ...
فكل مغترب ... وأسرة مغترب .... ستقرأ كلامك هذا بالقلب وليس العين .
اخي الغالي..طلال الحكيم
اسعدني وجودك....وكلنا هذا الشخص
واشكرك لكلماتك الجميلة الله يعطيك العافية
والحمدلله حصلتو قبل لايسافر
ودعوه على آخر كوب شاي....لم يذق له طعما
فتح عينيه على اولى خيوط الفجر.....لحق بالصلاة ليرجع ويجد العيون المحبه تتطلع له بحزن....اختار لنفسه مكانا
ليتناول كوب من الشاي.....وتفرعت الجلسة لعدة جلسات جانبية والجميع يحس بشئ يعصر على قلوبهم...ذكرت الام اخته بتجهيز باقي الاغراض....كلماحاول الهروب من واقع الغد ارجعته التفاصيل المره ....بخطى متثاقلة تحرك لغرفته ليجمع اغراضه...كأنما يساق للموت...كأنه يجهز اكفانه بذات يديه....
مر الوقت ثقيلا ...مرا...مشحونا بغصات في الحلق...بين الفينة والاخرى تأتي اخته متسآئلة عن غرض يحتاجه او لتسترق اليه النظرات الاخيرة ...لم يحس بثقل اخيه الاصغر حينما تعلق برقبته....ولم ينهره كالعادة....نظر الصغير بتعجب ....واستغل فرصة اللاممانعة والاستسلام فطلب الهيد فون الذي طالما أعجبه ..وبعيون سارحة ويد مرتجفة....مده اليه ...حمله الصغير وركض خارجا غير مصدق!! وخشية ان يغير رأيه ...وهو غارق في افكاره وبين اغراضه ...وهو يستنشق الانفاس الاخيرة من غرفته .....نادته اخته ليتناول الافطار....
انتظرووووووووووووووووووووووني
هذا المشهد حدث لي بكل تفاصيله .. مع إختلاف بسيط ... فقد كان الطفل المتعلق برقبتي هو إبن أختي وليس أخي ... أما باقي المشهد فقد حدث بحذافيره ..
(دريم .. قد أثرتي شوقا ً في الحشاشة مختفي ... شوية شوية .. الدنيا رمضان)
طلال الحكيم كتب:هذا المشهد حدث لي بكل تفاصيله .. مع إختلاف بسيط ... فقد كان الطفل المتعلق برقبتي هو إبن أختي وليس أخي ... أما باقي المشهد فقد حدث بحذافيره ..
(دريم .. قد أثرتي شوقا ً في الحشاشة مختفي ... شوية شوية .. الدنيا رمضان)
آآآآآآآآه من رمضان وزيادة الاشواق........مع العصاري حرقة الجوف بالعطش...وريحة حلومر منعش
بهبة النيران مع القراريص والكسرة ........جرية الشفع للبيوت...والام تنادي للبنوت...تعالي يافلانة..ودي العصيدة لخالتك فلانه...وافرش الحصير ياولد....وانتا ياعمر حدث ابوك...يجي الوقت مايفوت...يابنات ...بسرعة طلعو المويات...آآآآآآآآه من ريحة التقلية حقت سعاد...ومن دمعة مها تحمي البعاد
و
المغرب باقي ليهو كم دقيقة..؟؟ كل يوم نفس السؤال!!!
تتصبصب الموية من الوجوه بعد الوضوء والاب مشمر لايديهو بيمسحا....ويتمتم بالدعا...والبت خلاص فترانة من عطش ...والولد الشقي خرمان لحبة سجاير
وآآآآآآآآآآآآآآآآه
بعد ان استحم وصلى ...سمع الاصوات تستحثه للاسراع فأصبح كأنه في سباق مع الموت يستبق لاعمال صالحات..صار يحمل غرضا ثم يدعه بيد مرتجفة وانفاس متصاعده...كأنما اصبح الهواء قليلا داخل غرفته الحبيبة....وصار يلامس شنطته ..رفيقته وكأنه يشد من أزرها...ويتحسس جيوبه وهو لايدري عما يبحث!!!
تصبب عرقا مع برودة الجو في مع نسمات الصباح ...وزاد المغص على معدته....عندما دخلت اخته ...وجدته مشتتا ...غائر العينين...حدثته بعبرة مخنوقة...عن مااذا كان يبحث عن شئ....التفت بعيون زائغة....وتمتم بكلمات لم تفهمها!! فألحت عليه ان الاسرة تنتظره...وخرجت وهي تحس بيد تعصر قلبها لمنظره الذي زاد ألمها جرعات..
حث الخطى في اثرها...كأنه يخاف ان تسبقه اليهم وتحدثهم عما رأته من ضياع....استقبله الجميع بابتسامات حانيه واعين متورمة....حتى الصغير النعس....رفع رأسة من حجر امه وهو جالس بجانبها متطلعا اليه....ثم رجع لكوب الشاي خاصته يسأل انى كان قد برد ليشربه...أومأت له امه بالايجاب ونظرها معلق باشفاق على فلذة كبدها المودع....
جلس بجانب ابيه ...وصار ابوه يطمئن على حاله واستعداده وآخر الوصايا الموجزة...والام ترفع رأسها وترخي سمعها.....سألوه ان كان يحتاج مزيدا من السكر لكوبه فهز رأسه فورا.....لايدري حتى هو لماذا!!!ألأن طعمه لايحتاج!!! ام لاحوجة فقد تعطل تذوقه ...واصبحت لاتفرق معه كثيرا....
تدخلت الام ببعض الملاحظات....والاخت كأن على رأسها الطير تنقل فقط نظراتها ...اما الصغير فقد نجح في انتزاع بعض الضحكات منهم بطلباته الغريبة منه فور وصوله....
قطع حبل افكارهم...بوق السيارة ................
نهض الجميع كأنهم سمعوا صافرة القيامة وصار الجو مشحونا بالالام.....ودقات القلوب...
مره اخرى توسلت الاخت ان تذهب هي وامها معهم فرفض الاب بحزم....فالاب فقط من سيرافقه للمطار...
حمل الاب عمته وذهب لفتح الباب لاخراج الحقيبة ...وهرع رفيقه ابن الجيران الذي وصل للتو باخذها للسيارة ...وهو في كلماته الاخيرة طغى عليهم الاستعجال...وهو يتحدث مع امه علا صوت الاب بالاسئله..اخذت الغرض الفلاني....معك الاوراق...لم تنسى شيئا...ومرة اخرى يوجه خطابه للجار والسائق بان ينتبهوا للحقيبة...
علا بكاء الام والاخت.....وخنقته العبرات ..حاول ان يكتم سيل الدموع ...وحاول اخراج صوته مرحا ففشل فشلا ذريعا....ضمته امه واصبحت تشمه وتقبله....وتقول..انا راضية عنك ياولدي....وصار دعائها مختلطا بنشيجها ونشيج اخته التي ماان تركته امه تحت الحاح استعجال الاب ...حتى تعلقت برقبته وهي تصيح بصوتها ودموعها تغرق ثيابه...ترك لدموعه العنان لتختلط مع دموعها...
علا صوت الوالد وجا رفيقه ليقطع هذا المنظر المميت...
ذهب مبتسما وسط بحار دموعه لاخيه الصغير وحمله وهو متعلق -برقبته-كأنما واتته الفرصة اخيرا
قبله مطولا...واخذ يتفرس في ملامحه كأنه يستقي منها البصمات الاخيره
انزله على مضض....وقبل يد امه التي ضمت رأسه لحضنها.....وهي تقطر دما......
(لحظات اتنفس ).....................
خرج الاب اولا ولحق به مع رفيقه....والتفت ليسلب البيت آخر نظره....وعيونه الغائمة دمعا تحجب ملامح امه واخته ...والشقي اخوه الصغير المشاكس....
اغلق الباب خلفه وجر قدميه وهو يدعو الله ان لايبعده كثيرا...وان يبقى به رمق ويعود...
سأعود لنرافقه نحن...........