مأساة التهجير على مر الأزمان

يهتم هذا القسم بكل المعلومات عن وطننا الحبيب .

المشرف: بانه

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
حزن السنين
مشاركات: 4294
اشترك في: الأحد 2006.12.3 11:05 am
مكان: ~ معبد الاحزان ~
اتصال:

مأساة التهجير على مر الأزمان

مشاركة بواسطة حزن السنين »

[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]النوبيون والنيل
عاش النوبيون على ضفتي النيل في مودة وإلفة منذ اربعة آلاف عام قبل الميلاد، وترتبط كل جوانب حياتهم بالنيل الذي يقدسونه وفنونهم الشعبية تعبر عن ايقاعات النيل ورقصاتهم تعكس انسياب النيل بهدوء حيناً وتلاطم امواجه احياناً وكل تقاليدهم وعاداتهم في الاعياد والمناسبات من افراح واتراح تتمحور حول النيل كل الطقوس الاجتماعية تدور حول مواسم النيل فيضاناً وانحساراً والنخيل الباسقة تحف حوله وتعكس منظراً خلاباً وكأنك في كوكب غير الارض.
العادات والثقافات كلها حول النيل الذي يجلب لهم الخير ويسقي اراضيهم ويجلب الطمي الخصيب كل عام. يوفر مياه الشرب النقية الغنية بالاملاح الطبيعية ويفيض بانواع الاسماك والاصداف كافة ويمثل وسيلة نقل آمن بين السكان على ضفتيه عبر المراكب الشراعية الضخمة.
مأساة أهالي حلفا الممتدة:
«1902-1964»
ظل الحلفاويون يعيشون حياة هادئة ومستقرة في ظل المحبة والإلفة مع جارهم العظيم النيل منذ اقدم العصور، حتى بداية القرن الماضي حيث امتدت اليد البشرية الآثمة وبدأت في وضع العراقيل والمتاريس أمام مسيرته المقدسة نحو الشمال.
بدأت مأساة النوبيين المستقرين على ضفته فيما شيَّدت مصر خزان أسوان في العام 1902م دون اي اعتبار لما يمكن ان يحدث لسكان شاطئ النيل في ارض النوبة جنوب اسوان بل حتى لم تلتفت اليهم بعد وقوع الكارثة وكأنهم ليسوا بشراً.
غضب النيل وثار وابتلع شاطئيه اللذين يشملا اراضي الجروف الخضراء وغابات النخيل الباسقة وحدائق الموالح المثمرة وغمر كل بيوت السكان وانتهت كل معالم الحياة خصوصاً على ضفتي النيل عند وادي حلفا. فجمع السكان ممتلكاتهم ونزحوا الى الوراء.. الا انهم لم يغضبوا من النيل بل صفحوا له تلك الهجمة الشرسة ولم يتخلوا عن صديقهم القديم الوفي لانه لا يد له في الخراب الذي اصابهم..
بدأ الحلفاويون في بناء حياة جديدة بعيداً عن النيل وشيدوا مساكنهم من جديد ونشطوا في زراعة الشتول من نخيل وغيرها من الاشجار والبقوليات والخضروات في الجروف الضيقة التي تركها لهم النيل وعادت الطمأنينة والفرح الا ان ذلك لم يدم طويلاً فقد امتدت اليد الآثمة مرة اخرى لمجرى النيل فكانت التعلية الاولى لخزان اسوان في العام 1913م فثار النيل بصورة اقسى واشد من المرة السابقة وزحف بضفتيه على ارض النوبة والتهم كل شيء في ايام معدودة دون رحمة وذهب جهد النوبيين بعد ان ابتلع النيل كل مساكنهم التي على اطراف الصحراء.
لم يفكر النوبيون هجران صديقهم بل رجعوا الى اطراف الصحراء القاحلة لبدء حياة جديدة ونشطوا في بناء المنازل والجناين وغابات النخيل وتحول النيل الهادئ الولوف الذي ألفوه الى ثور هائج يغرق مساحات واسعة من اراضيهم الزراعية عند كل فيضان ويأتي بالخير العميم من خصب ومياه ري وفيرة تسقي غابات النخيل البعيدة واتسع عرض النيل وتباعد الاهل من سكان الضفتين وبات التواصل بينهما عسيراً إلا ان ذلك لم يقف عائقاً في طريق التواصل الاجتماعي حيث قاموا ببناء المراكب الشراعية الكبيرة التي أمنت وسائل الحركة بين الضفتين والى مدينة وادي حلفا، وبذلك تمكنوا من قهر المستحيل وتأسيس حياة اجتماعية متقدمة وتوسعت القرى على اطراف الجبال وانتشرت المنازل على الرمال البيضاء بين النخيل الباسقة التي امتدت ظلالها الكثيفة على مد البصر وظن النوبيون خطأ ان حياتهم استقرت وان عاد النيل الى وداعته وصداقته لسكان ضفتيه.. الا ان ذلك لم يدم طويلاً.
وبدأت مرحلة جديدة لاعادة تعمير شاطئي النيل على سفوح الجبال وتمكنوا من زراعة مساحات الجروف الضيقة التي تتسع عاماً بعد عام وشتلوا النخل وانشأوا جناين الفواكه وشيدوا منازلهم بين مزارع النخيل وعلى الرمال البيضاء وعاد الهدوء الى المجتمع واحس الحلفاويون بشيء من الطمأنينة والحنين الى النيل، وعاد الكثيرون من داخل البلاد ومصر الى قراهم لاعادة الاعمار واستقرت حياتهم واتسع مجرى النيل بل صار النيل يشكل خطراً داهماً عند ركوبه للوصول الى الضفة الاخرى لاتساعه وعند هياجه.
وظهرت بوادر الحياة الجديدة التي حملها العائدون الى قراهم تمثلت في شكل منازلهم واساليب الزراعة ووسائل التنقل عبر النيل وقامت المدارس النظامية ولأول مرة الاندية الثقافية وحدث تغيير جذري على طبيعة العلاقات الاجتماعية بل ظهرت بوادر تجمع حديث في كل جوانب الحياة في تلك الفترة بسبب العائدين من الاغتراب.
هل يسقط الحق بالتقادم؟
لقد تم تهجير «80%» من سكان قرى وادي حلفا قسراً وظلماً الى مدينة حلفا الجديدة التي تختلف في كل شيء عن بيئتهم وظروف حياتهم.. لم يستمع احد الى اصواتهم واوجاعهم التي سالت ولم يرحمهم احد وسيقوا كالانعام دون رحمة وادخلوا في منازل جاهزة بأرقام متسلسلة وكأنها معسكرات الجيش وهي منازل شيدها المقاولون على عجل فتشققت وإنهار بعضها في فترة قصيرة.
أيضاً اقيم مشروع زراعي اعاشي لم تكتمل دراسته الفنية ولم تكتمل ملحقات المشروع فحاول الحلفايون معايشة الوضع قبل انشاء مشروع خزان خشم القربة وتدخلت المنازعات السياسية في حصة المشروع من مياه الري لعدم وضع خطة معروفة للري، فبدأ المشروع في الانهيار تدريجياً فانشأ الحلفاويون جمعيات تعاونية زراعية في كل قراهم ووضعوا كل مدخراتهم حتى تعويضاتهم التي حرصوا عليها في التهجير لانها انهارت ايضاً لسياسة الحكومات العرجاء التي تنصلت من كل وعودها.. فبدأت الهجرة العكسية من قرى حلفا الجديدة الى الخرطوم وقامت احياء بأكملها من الحلفاويين مثل الكلاكلات والشقيلاب، وغيرها وبدأت مرحلة جديدة من المعاناة خاصة في بلاد لا ترحم الفقراء من ضحايا سياستها الظالمة.
فهم يعيشون حياة قاسية في اطراف الخرطوم ويقاتلون تلك الظروف بقوة وصبر وشجاعة في سبيل تحقيق حلم العودة الى ارض اجدادهم في وادي حلفا.
لم يعد العالم كما كان في الماضي دول ومناطق بل صار مجتمعاً واحداً يحيا ويعيش ويشعر بآلام الفقراء والمساكين والمظلومين وبات المجتمع الدولي حريصاً على معالجة قضايا تلك الجماعات.
أما اليوم فيتابع بحماس كل قضايا المظلومين من اهل حلفا واننا نذكِّر الحكومة ان حجم التعويضات كان مخجلاً وظالماً بكل المقاييس وكانت شجرة النخل او الفاكهة المثمرة «12» جنيه فقط في المتوسط والناظر اليوم الى تعويضات النخلة الواحدة لضحايا خزان الحماداب انه تجاوز المائة الف جنيه، واننا لا نطلب من حكومتنا المستحيل فقط مشروعاً زراعياً في ارقين يستوعب اهالي وادي حلفا وترحيلنا باسلوب حضاري الى هناك وانا اكيد الثقة ان المجتمع العالمي سيهب لمساعدتنا بل سيتولى هذا الموضوع الانساني الملح.
لم تشعر مصر قط بان هناك بشراً على ضفتي النيل يتضررون ولم تشعرهم مصر حتى بمجرد المواساة او العطف ناهيك عن المساعدة او التعويض ونحن هنا حيث ان الحق لا يسقط بالتقادم نطلب من مصر:
أولاً: الاعتذار لكل النوبيين لما تسببت فيه من دمار وخراب وتهجير.
ثانياً: نطلب منها ان تضع يدها في يد حكومة السودان لاعادة تعمير قرى وادي حلفا وهذا حقنا عليها.
إننا نناشد المجتمع الدولي والهيئات العالمية والمنظمات الانسانية الى انقاذ النوبيين مما حاق بهم من الكوارث والمآسي التي تعرضوا لها ونتائجها السلبية التي يعانون منها حتى اليوم.
وكلمة أخيرة اهمس بها في اذن حكومتنا ان النوبيين رغم ما لحق بهم من كوارث ومآسٍ وتهميش ظلوا في صبر ايوب في انتظار انقشاع سحب عدم الاستقرار السياسي والامني ولم يحاولوا الصيد في المياه العكرة وامتنعوا عن استغلال الظروف الحرجة للدولة كما فعلت بعض المناطق التي هي اقل تهميشاً وفقراً من اهالي حلفا والآن وبحمد الله انقشعت سحب الصراعات واستقر الحال وتحقق السلام واجيز الدستور وغداً ستتكون -باذن الله- حكومة نرجو ان تجد ثقة الجميع.. اننا نطالب من الحكومة ان تلتفت بجدية الى قضية المهجرين من وادي حلفا ونذكرها بالتزامها القانوني والاخلاقي والديني تجاه رعاياها ونقدم لها ان حقوقنا لا تسقط بالتقادم خصوصاً ونحن نعيش في ظلال مجتمع عالمي او مجتمع القرية الواحدة الذي يهمه كثيراً ازالة الظلم عن الضعفاء[/grade]
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى السودان العام“